للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وقالت طائفة - منهم البيهقي والمنذري -: يحتمِل أن تكون هذه المسألة من أبي سفيان وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة، وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بالحبشة، فلما ورد على هؤلاء ما لا حِيلة لهم في دفعه مِنْ سؤاله أن يؤمره حتى يقاتل الكفار، وأن يَتخذ ابنه كاتباً، قالوا: لعل هاتين المسألتين وقعتا منه بعد الفتح. فجَمَع الراوي ذلك كله في حديث واحد، والتعسف والتكلف الشديد الذي في هذا الكلام يُغْنِي عن رده.
وقالت طائفة: للحديث مَحْمَل آخر صحيح، وهو أن يكون المعنى: أرضى أن تكون زوجتَك الآن، فإني قبلُ لم أكن راضياً، والآن فإني قد رضيتُ، فأسألك أن تكون زوجتَك. وهذا وأمثاله لو لم يكن قد سُوِّدَتْ به الأوراق، وصُنفت فيه الكُتب، وحَمَله الناس؛ لكان الأَوْلى بنا الرغبة عنه؛ لضِيق الزمان عن كتابته وسماعه والاشتغال به، فإنه من رُبْد الصدور لا من زُبْدها.
وقالت طائفة: لما سَمِع أبو سفيان أن رسول الله طَلَّق نساءه لما آلى منهن، أَقْبَل إلى المدينة، وقال للنبي ما قال؛ ظنًّا منه أنه قد طلقها فيمن طَلَّق. وهذا من جنس ما قبله.
وقالت طائفة: بل الحديث صحيح، ولكن وقع الغلط والوهم من أحد الرواة في تسمية أم حبيبة، وإنما سأل أن يزوجه أختها رملة، ولا يَبعد خفاء التحريم للجمع عليه، فقد خفي ذلك على ابنته، وهي أفقه منه وأعلم، حين قالت لرسول الله : هل لك في أختي بنت أبي سفيان؟ فقال: «أفعل ماذا؟» قالت: تَنكِحُها. قال: «أو تحبين ذلك؟» قالت: لستُ لكَ بمُخْلِية، وأَحَبُّ مَنْ شَرِكَني في الخير أُختي. قال: «فإنها لا تَحِلُّ لي» فهذه هي التي عَرَضها أبو سفيان على النبي ، فسَمَّاها الراوي من عنده أم حبيبة. وقيل: بل كانت كنيتها أيضاً أم حبيبة.
وهذا الجواب حسن، لولا قوله في الحديث: (فأعطاه رسول الله ما سأل) فيقال حينئذٍ: هذه اللفظة وهم من الراوي، فإنه أعطاه بعض ما سأل، فقال الراوي: (أعطاه ما سأل) أو أطلقها اتكالًا على فَهم المُخاطَب أنه أعطاه ما يَجوز إعطاؤه مما سأل، والله أعلم.
وانظر: «السُّنن الكبير» (٧/ ١٤٠) للبيهقي و «السيرة النبوية» لابن كَثير (٣/ ٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>