للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ ﷿ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَنَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْأُوَلَ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ فِيهَا إطْلَاقُ رَسُولِ اللهِ قِيَامَ الرِّجَالِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ بِاخْتِيَارِ الْقَائِمِينَ لِذَلِكَ لَا بِذِكْرِ مَحَبَّةِ الَّذِينَ قَامُوا لَهُمْ إِيَّاهُ مِنْهُمْ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ الْمَحَبَّةُ مِنَ الَّذِي يُقَامُ لَهُ لِذَلِكَ مِمَّنْ يَقُومُهُ لَهُ، فَتَصْحِيحُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ تَكُونَ الْأَحَادِيثُ الْأُوَلُ عَلَى مَا لَا مَحَبَّةَ فِيهِ لِمَنْ يُقَامُ لَهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْمَحَبَّةِ لِمَنْ يُقَامُ لَهُ بِذَلِكَ الْقِيَامِ، فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ مُحْتَمِلٌ لِمَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَلَمْ يَبِنْ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ تَضَادٌّ لِجِنْسٍ مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ لِلْجِنْسِ الْآخَرِ مِنْهُمَا.

ثم ذكر حديث أَنَسٍ، قَالَ: " لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ ، فَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ لِمَا يَعْلَمُوا مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ "

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ دَلَّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ إِنَّمَا كَانُوا يَتْرُكُونَ الْقِيَامَ لَهُ لِعِلْمِهِمْ بِكَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ مِنْهُمْ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْلَا كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْهُمْ لَقَامُوا لَهُ وَقَدْ تَكُونُ كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّوَاضُعِ مِنْهُ لِذَلِكَ; لَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ لَهُ، وَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَقَامَ بِمَحْضَرِهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ نُزُولِ تَوْبَتِهِ مُهَنِّئًا لَهُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ (١)


(١) «شرح مشكل الآثار» (٣/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>