للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَسَبَهَا إلَيْهِمْ بِالتَّصَرُّفِ وَالْكَوْنِ فِيهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٥٣] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٣] فَأَضَافَ الْبُيُوتَ تَارَةً إلَى النَّبِيِّ وَتَارَةً إلَى أَزْوَاجِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لَهُ أَوْ لَهُنَّ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُنَّ، وَلَهُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ؛ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهَا مِلْكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ، فَثَبَتَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إِنَّمَا صَحَّتْ لِأَجْلِ التَّصَرُّفِ وَالسُّكْنَى، كَمَا يُقَالُ: (هَذَا مَنْزِلُ فُلَانٍ) وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهِ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ، وَ (هَذَا مَسْجِدُ فُلَانٍ)، وَلَا يُرَادُ بِهِ الْمِلْكُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ﴾ [الكهف: ٧٩] هُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.

وقال ابن العربي في «أحكام القرآن» (٤/ ٣٢١): الْمَسَاجِدُ وَإِنْ كَانَتْ لِلَّهِ مِلْكًا وَتَشْرِيفًا، فَإِنَّهَا قَدْ نُسِبَتْ إِلَى غَيْرِهِ تَعْرِيفًا، فَيُقَالُ: مَسْجِدُ فُلَانٍ. وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَيْفَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. وَتَكُونُ هَذِهِ الْإِضَافَةُ بِحُكْمِ الْمَحَلِّيَّةِ، كَأَنَّهَا فِي قِبْلَتِهِمْ، وَقَدْ تَكُونُ بِتَحْبِيسِهِمْ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ مِلْكًا، ثُمَّ يَخُصُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ، فَيَرُدُّهَا إلَيْهِ، وَيُعَيِّنُهَا لِعِبَادَتِهِ، فَيَنْفُذُ ذَلِكَ بِحُكْمِهِ.

وقال النووي في «المجموع» (٢/ ١٨٠): ولا بأس أن يقال: (مسجد فلان) و (مسجد بني فلان) على سبيل التعريف.

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (٣/ ١٥٣): وهذا وإن كان من قول عبد الله بن عمر ليس مرفوعًا، إلا أن تعريف المسجد بذلك يدل على اشتهاره بهذه الإضافة في زمن المسابقة، ولم يشتهر في زمن النبي بين المسلمين شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>