للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَانَ التُّرْكِيُّ - كَمَا فِي «مُدَاوَاةِ النُّفُوسِ» (١): قَالَ لِي الإِمَامُ أَبُوْ مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - يَعْنِي: وَالِدَ أَبِي بَكْرٍ بْنِ العَرَبِيِّ -: أَخْبَرَنِي أَبُوْ مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ أَنْ سَبَبَ تَعَلُّمه الفِقْهَ أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَةً، فَدَخَلَ المَسْجِدَ فَجَلَسَ وَلَمْ يَرْكَعْ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قُمْ فَصَلِّ تَحِيَّةَ المَسْجِدِ. وَكَانَ قَدْ بلغَ سِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً.

قَالَ: فَقُمْتُ وَرَكَعْتُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الجِنَازَةِ، دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَبَادَرْتُ بِالرُّكُوعِ، فَقِيلَ لِي: اجْلِسْ اجْلِسْ؛ لَيْسَ ذَا وَقتَ صَلَاةٍ - وَكَانَ بَعْدَ العَصْرِ -.

قَالَ: فَانْصَرَفْتُ وَقَدْ حَزِنْتُ، وَقُلْتُ لِلْأُسْتَاذِ الَّذِي رَبَّانِي: دُلَّنِي عَلَى دَارِ الفَقِيهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بْنِ دحُّونَ.

قَالَ: فَقَصَدْتُهُ، وَأَعْلَمْتُهُ بِمَا جَرَى، فَدَلَّنِي عَلَى «مُوَطَّأ مَالِكٍ» فَبدَأَتُ بِهِ عَلَيْهِ، وَتَتَابَعَتْ قِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ نَحْوًا مِنْ ثَلاثَةِ أَعْوَامٍ، وَبَدَأْتُ بِالمُنَاظَرَةِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: صَحِبْتُ ابْنَ حَزْمٍ سَبْعَةَ أَعْوَامٍ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ جَمِيعَ مُصَنَّفَاتِهِ، سِوَى المُجَلَّدِ الأَخِيرِ مِنْ كِتَابِ «الفصل» وَهُوَ سِتُّ مُجَلَّدَاتٍ، وَقرَأْنَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ «الإِيصَالِ» أَرْبَعَ مُجَلَّدَاتٍ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مُجَلَّدَا، وَلِي مِنْهُ إِجَازَةٌ غَيْرَ مَرَّةٍ.

وَكَانَ يَنْهَضُ بِعُلُومٍ جَمَّةٍ، وَيُجِيدُ النَّقْلَ، وَيُحْسِنُ النَّظْمَ وَالنَّثْرَ.


(١) لابن حزم، ط دار المشرق العربي (ص: ٣ - ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>