• قال ابن القيم (ت/ ٧٥١): وعلى هذا فالاعتداء بالدعاء تارة بأن يَسأل ما لا يَجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات. وتارة بأن يَسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يَسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يَسأله أن يَرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يُطْلِعه على غيبه، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدًا من غير زوجة ولا أَمَة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء.
فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله.
وفُسِّر الاعتداء برفع الصوت أيضًا في الدعاء، قال ابن جُريح: مِنْ الاعتداء رفع الصوت في الدعاء، والنداء في الدعاء والصياح.
وبعد، فالآية أعم من ذلك كله، وإن كان الاعتداء في الدعاء مرادًا بها فهو من جملة المراد
والله لا يحب المعتدين في كل شيء، دعاء كان أو غيره، كما قال: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ وعلى هذا، فيكون قد أَمَر بدعائه وعبادته، وأَخْبَر أنه لا يحب أهل العدوان، وهم الذين يَدْعُون معه غيره، فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانًا، فإن أعظم العدوان الشرك، وهو وَضْع العبادة في غير موضعها، فهذا العدوان لابد أن يكون داخلًا في قوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: ٥٥].
ومِن العدوان أن يدعوه غير متضرع، بل دعاء مُدِلٍّ، كالمستغني بما عنده المدل على ربه به. وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير