أو أراد أن الفتنة تدخل على الناس حتى على صالحيهم، فتكون فتنتهم في الغضب والرضا لأنفسهم لا لله تعالى، ومن ثم قال: فإذا كان ذلك الزمان فاحترسوا من الناس بسوء الظن.
وقد سبق عن سهل التُّستَري أنه ينزع من المنسوبين إلى الصلاح في آخر الزمان الخشية والورع والمراقبة، ومن نزع منه ذلك كيف يغضب لله أو يرضى لله.
وقد علم بذلك أن الغضب لله والرضا لله في هذا الزمان من أخص أعمال الصالحين، وهذا أعز من الكبريت الأحمر الآن.
* فائِدَة ثانِيَةٌ وَثَلاثونَ:
روى ابن المبارك رحمه الله تعالى عن الحسن رحمه الله تعالى - مرسلاً - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَزالُ هَذِهِ الأُمَّةُ تَحتَ يَدِ اللهِ وَفِي كَنَفِهِ ما لَمْ يُمالِ قُرَّاؤُها أُمَراءَها، وَلَمْ يُزَكِّ صُلَحاؤُها فُجَّارَها، وَما لَمْ ينمِ خِيارُها أَشْرارَها؛ فَإِذا فَعَلُوا ذَلِكَ رَفَعَ اللهُ الكَرِيْمُ عَنْهُمْ يَدَهُ، ثُمَّ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ جَبابِرَتَهُمْ فَسامُوهُمْ سُوءَ العَذابِ، وَضَرَبَهُمْ بِالفَقْرِ وَالفاقَةِ وَمَلأَ قُلُوبَهُمْ رُعباً"(١).
ومعنى ممالأة القراء الأمراء: مساعدتهم على ما هم فيه، أو على ما يريدون بأي شيء كان.
(١) رواه ابن المبارك في "الزهد" (١/ ٢٨٢)، وكذا أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (٣/ ٦٩٦).