قلت: ومن استتم هذه الأخلاق الخليلية والملل الإبراهيمية فهو من الأقطاب، فقد قيل: إن قلب القطب على قلب إبراهيم؛ أي: من حيث جمعُه لمحامد الخصال.
التَّنْبِيْهُ الثانِيْ: روى الإمام أحمد، والشيخان عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تتَرَاءَونَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ أَوْ المَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ".
قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء عليهم السلام لا يبلغها غيرهم؟
قال:"بَلَى وَالَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِيْنَ"(١)؛ أي: رجال غير أنبياء.
وفيه إشارة إلى أنَّ من أولياء الله تعالى من يُرفع إلى منازل الأنبياء عليهم السلام لأنهم لما قالوا: تلك منازل الأنبياء، لم ينكر عليهم أنها منازلهم، ولكنه بيَّن أنه قد ينالها غير الأنبياء ممن آمن بالله وصدَّق المرسلين، ولا يلزم من ذلك المساواة بين الأنبياء وبين غيرهم، بل المنازل التي نالها الأنبياء بالإيمان والتصديق وحُسن الخُلق ونحو ذلك يشاركهم فيها من خلق بها ممن سواهم، وإنما يختص الأنبياء بما
(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٢٦)، والبخاري (٣٠٨٣)، ومسلم (٢٨٣١).