فَتَلَبَّسْ بِما تَشاءُ فَإنَّ الـ ... ـمَرْءَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ سَيَلْقَى
وَتَعَلَّمْ وَكُنْ سَعِيداً بِعِلْمٍ ... لا تَكُنْ مُسْرِفاً بِعِلْمِكَ تَشْقَى
* تنبِيهٌ لَطِيفٌ:
قد اشتملت هذه الآية المذكورة مع الوعيد على كتمان العلم على غاية التلطف بالعالم المفرِّط في علمه ليتوب ويفيء إلى حفظ خير العلم الذي أوتيه؛ فإنه الشرف البالغ الشَّأو في الرفعة والسمو، ألا ترى أنه سبحانه وتعالى لما وجه الوعيد إلى كاتم البينات والهدى لم يصفه بالعلم، بل صبَّ الوعيد على الكتمان صيانة لمنصب العلم عن وصمة اللعن، وإشارة إلى أن الكاتم لا يكاد يوصف بالعلم؛ فإنه ساوى أهل الجهل في ذلك، ثمَّ لما استثنى التائبين وصفهم بالبيان الذي هو ثمرة العلم، وفي طي ذلك وصفهم بالعلم، ثم نوَّه باسمهم بقوله تعالى:{فَأُولَئِكَ}؛ ذكرهم باسم الإشارة الموضوع للبعيد إشارة إلى بعد مقامهم في السمو والسناء، وذكر وعده لهم بفعل المتكلم الواحد على وجه الالتفات، وأتى في الوعيد بقوله:{أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ}، فأتى باسم الإشارة الموضوع للبعيد إبعاداً لهم، وباسم الله الجامع إشارة إلى وصف يجمع صفات القهر والانتقام، وأتى بالهمزة في {أَتُوبُ} الموضوعة للمفرد، ولم يأت بنون العظمة إشارة إلى اختصاصهم به الداعي إلى أن يتولى التوبة عليهم بذاته الكريمة دون الوسائط، ولم يقل: أقبل توبتهم، بل: أتوب عليهم تحقيقاً لثمرات التوبة التي تابوها، وأتوب مع الاحتمال أبلغ من أقبل توبتهم، وفيه إيماء إلى أن