قلت: خطر لي أن البلاء إنما كان يكثر في الأمم الماضية ويعظم - ما لا تراه بحمد الله تعالى هذه الأمة - بسبب قلة تكاليفهم، وأن هذه الأمة لما كثرت تكاليفها وتشعبت شريعتها وهم يسمعون ويطيعون خف بلاؤها، فلم تعم بعذاب ولم تصب بجهد البلاء إلا من تعرض له بترك الطاعات، وكانت بلاياها رحمة وكفارة وتمحيصًا، ولا يقاربها تكاليف بني إسرائيل وإن كثرت، بل ما كان أكثر تكاليفهم إلا عقوبة لهم حيث كانوا يؤمرون ويبخلون، فيخالفون ويتعنتون، فشدد عليهم كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِم"(١).
* تَنْبِيهانِ:
الأَوَّلُ: يستحق أن يلحق بالشيطان ويوصف بالتشبه به، فكما فعله بأيوب عليه السلام من سقى أحدًا سمًا أو سحر أحدًا حتى سقم أو أخذه الرعاف، أو سحر امرأة حتى أخذها النزيف، أو نحو ذلك؛ وكل هذه من الكبائر.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي: علم مما رويناه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة أيوب عليه السلام: أن الشيطان أخذ تابوتًا وقعد في الطريق
(١) رواه عبد الرزاق في "التفسير" (١/ ١٩٢) عن أبي قلابة يرفعه، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (١/ ١٨٩) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه.