للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِن فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُم" (١)؛ أي: ولكن طمع في التحريش بينهم، وهو إيقاع الخصومة والخشونة بينهم.

* تَنْبِيهانِ:

الأَوَّلُ: قال الله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف: ١٠٠].

قال القرطبي: نسب ذنبهم إلى الشيطان تكرمة لهم (٢).

قلت: وهذا من لطائف الفهم، ولا يلزم منه أن لا يكون للشيطان ذنب، بل هو نزغ بينهم حقيقة، وهم ساغ فيهم نزغ الشيطان حتى كادوا ليوسف وذلك قبل أن يكونوا أنبياء.

ويدل عليه قول يعقوب عليه السلام: {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: ٥].

فذنب الشيطان النزغ بينهم، وذنبهم قبول نزغه وكيدهم لأخيهم، فلم يذكر يوسف لأبيه بحضرة إخوته حين وقع الصفاء بينهم ذنبهم، وإنما ذكر نزغ الشيطان بينهم وسكت عما صدر من إخوته في حقه؛ تكرمًا منه؛ لأن ذكر الجفاء في وقت الصفاء عين الجفاء.


(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٣١٣)، ومسلم (٢٨١٢)، والترمذي (١٩٣٧) واللفظ له.
(٢) انظر: "تفسير القرطبي" (٩/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>