اشتهر على ألسنة الناس أن الملك يدوم - أي: تطول مدته - مع الكفر، ولا يدوم مع الظلم.
وهذا ليس بحديث، وهو منتقض بنمرود، وفرعون، وبخت نصر؛ فإنهم - وإن كانوا كفاراً - فإنهم ظالمون، بل من أظلمهم، والكفر ظلم وزيادة، وهم مع الظلم العظيم البالغ طالت مدة ملكهم، وإنما يقال ذلك تنفيراً من الظلم، وترغيباً للملوك في الكف عنه.
نعم، ورد ما يدل أن العدل يمد في العمر، فقد روى الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، والديلمي في "مسند الفردوس"، وابن النجار في "تاريخه" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أَنَّ النَبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ:"مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُوْرِ المُسْلِمِيْنَ شَيْئًا فَحَسُنَتْ سَرِيْرَتُهُ، رَزَقَهُ اللهُ الهَيْبَةَ فِي قُلُوْبِهِم، وَإِذَا بَسَطَ يَدَهُ لَهُمْ بِالمْعَرُوْفِ رُزِقَ المَحَبَّةَ مِنْهُمْ، وَإِذَا وَفَّرَ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم وَفَّرَ اللهُ عَلَيْهِ مَالَهُ، وَإِذَا أَنْصَفَ الضَّعِيْفَ مِنَ القَوِيِّ قَوَّى اللهُ سُلْطَانَهُ، وَإِذَا عَدَلَ فِيْهِم مَدَّ فِي عُمُرِهِ"(١).
وفي الحديث المتقدم:"إنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِم" ما يدل على خلاف ما سبق.
وقد يكون إطالة مدة الظالم لزيادة نكاله وتحقق وباله، وقد تكون لزيادة ابتلاء المظلوم ليوصله الله تعالى إلى مقامه المرقوم.
(١) رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (٢/ ١٢٤)، وابن النجار في "تاريخه" (١٧/ ١٩٦).