من الأول؛ لأن المرء إذا جاء ما يأتي به على وفق طبعه فهو غير ممدوح عليه ذلك المدح؛ فإن الطبع قاهره كما يحمل صاحبه على مقتضاه وهو شريف ممدوح، كذلك يحمله عليه وهو قبيحٌ مذموم؛ ألا ترى أنَّ جرو الذئب ذئب، وفرخ الحية حية؟
وقد سبق قول الأعرابي:[من الوافر]
فمن أدراك أنَّ أباك ذيب
وقولهم: ومن يُشابه أباه فما ظلم؛ أي: من حيث إنه مقهورٌ بطبعه، ومن حيث إنه وضع الشيء في محله، والظلم وضع الشيء في غير محله.
* تَنْبِيهٌ:
من أمثال الناس: من العجيب: نجيبٌ من نجيب.
والنجيب: الكريم من الناس ومن الإبل.
وإنما قيل ذلك لأن مخالفة الأنجال للآباء كثيرة، والحكمة في ذلك بيان أنَّ قدرة الله هي المؤثرة كما قال الله تعالى:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}[الروم: ١٩]؛ أي: المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، والصالح من الطالح، والطالح من الصالح لأنه فعَّال لما يريد.
وتقول العرب: أنجبت المرأة إذا ولدت نجيباً، وربما قالوا: أنجب: إذا ولد غير نجيب.