للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى أبو الفرج بن الجوزي في "صفة الصفوة" عن أبي مسلم الخولاني رحمه الله تعالى قال: ما طلبت شيئًا من الدنيا قط فولى لي؛ حتى لقد ركبت مرة حمارًا فلم يمش، فنزلت عنه، وركبه غيري فعدا.

قال: فرأيت في منامي كأن قائلًا يقول لي: لا يحزنك ما زوي عنك من الدنيا، وإنما يفعل ذلك بأوليائه وأحبائه وأهل طاعته.

قال: فسري عني (١).

قلت: ما تشهيت قط شهوة من شهوات الدنيا، ثم طلبتها إلا تعسرت علي، أو حصلت وتنغَّصتُ فيها بمنغص ما، وأنا أحمد الله على ذلك، وهذا أمر تكرر لي من أكثر من خمس وعشرين سنة، وإلى الآن.

* تَنبِيهٌ:

من معارف الولاية تمني الموت شوقًا إلى لقاء الله تعالى، لا فراراً من ضرر دنيوي يمسه.

ومن ثم كذب الله تعالى اليهود في دعواهم ولايته بما امتحنهم من الأمر بتمني الموت؛ قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [الجمعة: ٦، ٧].

قال أبو عبيد الله القرطبي في تفسير الآية: لما ادعت اليهود الفضيلة، وقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: ١٨] قال الله تعالى: {إِنْ زَعَمْتُمْ


(١) رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة" (٤/ ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>