وذلك أن بني إسرائيل كان الواحد منهم يرتكب المعصية بينه وبين الله، فكان يستخف بها، ويستصغرها، ويمضي عليها حتى تصير له خُلُقًا، ثم يرتكب الأخرى كذلك حتى تهون عليه المعاصي، فينتقل إلى ظلم الناس واعتدائه عليهم، ويسترسل فيه حتى يفعل العظائم فيقتل، ويكفر، ويطغى ويفجُر، فلمَّا تواردوا على المعاصي استجر بهم إلى قتل الأنبياء، والكفر بالآيات، فبين الله تعالى أنه غضب عليهم وأذلهم بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء، وأنَّ سبب كفرهم وقتلهم الأنبياء الاسترسال في المعاصي والعدوان حتى صار العدوان لهم خُلُقًا، فقتلوا الأنبياء، وكفروا بالآيات.
وروى ابن أبي الدنيا في "العقوبات" عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: ما استخفَّ قوم بحق الله إلا بعث الله عليهم من يستخف بهم، ولا أهان قوم أمر الله إلا أهانهم الله، ولا ارتكب قوم محارم الله إلا ركبهم الذل.
[٢١٤ - ومنها: أنهم كانوا مع انهماكهم في المعاصي يتمنون على الله المغفرة.]
وهذا غاية الغرور، وهذا يغلب في هذه الأمة على أكثرهم، وربما زَّينه لهم علماء السوء.
قال الله تعالى في بني إسرائيل: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى