فما ذكر من الأخلاق، وسائر الأخلاق الكريمة فإنها -وإن كانت في طباع النفوس - فإن التقوى تثيرها وتنشرها، وتظهرها وتقوِّيها، وتنقلها من دائرة الغرائز إلى دائرة الكسب والأعمال، وتتحف أصحابها بالثواب.
[٦ - ومنها: الرجوع إلى الله تعالى في كل أحواله.]
ألا ترى أنه قرَّبَ القربان لله، وتأنق فيه إخلاصاً لله، ثم قال:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: ٢٧]، ثم قال:{إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}[المائدة: ٢٨].
وكذلك المؤمن أوَّاب إلى الله رجَّاع إليه، معوِّل في كل أموره عليه.
وفي وصفه سبحانه برب العالمين بيان وجه المخافة منه؛ فإن معنى رب العالمين: مالكهم، والألف واللام للاستغراق؛ أي: المالك لجميعهم، المحيط بهم، والمالك الحقيقي هو الله تعالى، وملكه لهم يستدعي الإحاطة بهم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: ١٤]، فهو حقيق بأن يُخاف ويُتَّقى.