للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الكريم - وإن كان في طبعه الغضب عند الجوع - فإنه إذا استرسل مع غضبه حتى يبطش، فقد خدش كرمه، وأُلحق بعالَم الضباع، والأكمل في حقه أن يصبر كما قال بعض العارفين: إذا وجدنا أَكْلنا أكل الرجال، وإذا فقدنا صبرنا صبر الأبطال (١).

فالكريم يغضب عند الجوع، لكنه يملك نفسه عند الغضب.

ولا يُلام على أصل الغضب والضجر كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: ثلاثة لا يلامون على الضجر: الصائم، والمسافر، والمريض. أخرجه ابن أبي الدنيا في "التوبة" (٢).

١٥٣ - ومنها: تشبه السفيه في إتلافه ماله على مَنْ لا نَفْعَ له من الناس، وما لا فائدة فيه من الأمور الدنيوية والأغراض النفسانية مع منعه الحقوق اللازمة كترك العيال بلا نفقة، والتقتير عليهم ليصرف ما يمنعهم منه على غيرهم بالذئبة والنعامة؛ فإنها تنسى بيضها وتَحْضُن بيض غيرها، والذئبة ربما تركَتْ أولادها وأَرْضعت أولاد الضَّبع.

ولهذا قالت العرب في أمثالهم: أحمق من جهيزة (٣)، وهي أنثى الذئب كما تقدم.

وهذا حال أكثر الناس الآن؛ ربما شحَّ أحدهم على ولده وزوجته وأقربائه، وصرف أمواله على أهل هواه، بل ربَّما أنفق في


(١) هو إبراهيم بن أدهم، كما في "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (٢/ ٢٩٨).
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة" (ص: ٢٨٩).
(٣) انظر: "الحيوان" للجاحظ (١/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>