للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد! فإن للناس نفرة عن سلطانهم، فأعوذ بالله أن تدركني وإياك، فأقم الحدود ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمر أن أحدهما لله والآخر للدنيا، فآثر نصيبك من الله؛ فإن الدنيا تنفد، والآخرة تبقى، وأخف الفساق، [واجعلهم] يداً يداً، ورجلاً رجلاً، عُدْ مريض المسلمين، واحضُر جنائزهم، وافتح بابك، وباشر أمورهم بنفسك، وإنما أنت رجل منهم، غير أن الله تعالى جعلك أثقلهم حملاً، وقد بلغني أنه نشأ لك ولأهل بيتك هِنَة في لباسك، ومطعمك، ومركبك، وليس للمسلمين مثلها؛ فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة مرت بواد خصب فلم يكن لها هم إلا السمن؛ فإنما حتفها في السمن، واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيته، وأشقى الناس من شَقِيت به رعيته.

وأنشدوا: [من الوافر]

وَكَمْ لِلَّهِ مِنْ عَبْدٍ سَمِينِ ... كَثِيرِ اللَّحْمِ مَهْزُولِ الْمَعالِي

كَمِثْلِ الطَّبْلِ يُسْمَعُ مِنْ بَعِيدٍ ... وَباطِنُهُ مِنَ الْخَيْراتِ خالِي

* تَنْبِيهاتٌ:

الأَوَّلُ: الشحم إنما يربو من النعمة وفراغ البال، وخلوه من الهم والغم، والحزن والخوف، وليس من شأن العالم إلا خشونة العيش؛ إما في شأن معاده، وإما في شأن معاشه، والغم بسبب ما وقع منه من التفريط والحزن على ما فات من عمره مضيعاً في غير طاعة، والخوف من الله تعالى، ومن عذابه وعقابه، والاهتمام بما بين يديه، فإن كان

<<  <  ج: ص:  >  >>