للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عوضهم ببركات المواشي ليتماسكوا بذلك عن ترك الحراثة، ومع ذلك فقد حبب الله إليهم الحرث حتى يحلف أحدهم الأيمان عند شيء ينوبه وشدة تلحقه على تركها، فإذا جاء إبانها كفَّرَ عن يمينه، وخلص منه، وعاد إليها ليكون ذلك سببا لعمارة البلاد والرفق بالعباد.

[وهنا فائدة مهمة ينبغي التنبيه عليها]

روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْناَبَ الْبَقَرِ، وَرَضِيْتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُم الْجِهَادَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لا يَنْزِعُهُ عَنْكُمْ حَتَّىْ تَرْجِعُوْا إِلَىْ دِيْنكُمْ" (١).

فتبين من ذلك معجزة ظهرت للنبي - صلى الله عليه وسلم - في صدق ما بينه، وذلك أنَّ العساكر إنما فرضت لهم الأعطية من بيت المال ليكونوا رصداً للجهاد، فآثروا الدنيا على ما أرصدوا له، وأقبلوا على تحصيلها ببيع العينة، بل بالربا المحض أضعافاً مضاعفة، وتعاطي الحرث والزروع، ومزاحمة الفلاحين في شأنهم، حتى إن الجندي منهم لا يزال بالفلاح حتى يأخذ داره وأرضه بأي طريق كان، ويشق عليهم مفارقة أموالهم ونعمهم، فأعرضوا عن الجهاد، فأصابهم الذل بعدم إغنائهم في الغزو وإخفاقهم، وتسلط الأعداء عليهم، بل سلَّط الله بعضهم على بعض


(١) رواه أبو داود (٣٤٦٢). وضعف ابن حجر إسناده في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" (٢/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>