واعلم أن أخلاق الأصناف الأربعة المشار إليهم في الآية المتقدمة كلها مجتمعة في النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الكتاب، وكان ينبغي الاكتفاء بالتشبه به عن التشبه بمن سواه، ولكن تعلق بذلك حِكَم إلهية من أجلها شرع التشبه بمن سواه من أخيار بني آدم، وقد تقدمت الإشارة إليها أيضًا.
وأزيدك هنا أن الله تعالى إنَّما ذكر هؤلاء الأصناف في هذه الآية؛ أعني: قوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ}[النساء: ٦٩] الآية؛ إشارة إلى أن من تقدم عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم من النبيين، والصّديقين، والشُّهداء، والصالحين لو أدركوا زمانه ما وسعهم إلا طاعته واتباعه، فمن أطاع الله ورسوله فهو معهم لأنه متشبه بهم في ذلك وإن لم يتفق ذلك منهم بالفعل؛ إذ لم يمنعهم من ذلك إلا تأخر عصره - صلى الله عليه وسلم - عن أعصارهم، وإلا فقد أعطوا عهودهم ومواثيقهم بذلك؛ بدليل قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ