الناس على اعتماد علمه ودينه، وحبه وولايته، وكان له صلابة في الدِّين، ووسوسة في الطهارة، ووداد مع الناس، وكان بدمشق مجذوب مستغرق، وكان كل منهما يعتقد الآخر، غير أن المجذوب كان يقصد التقرب من الأخ، والأخ يبعد عنه حرصاً على النظافة، ففي بعض الليالي خرج الأخ إلى الجامع فرأى هذا المجذوب فقال له: يا شهاب الدين! هل لك في صلاة الفجر بمكة عند البيت؟
قال: نعم.
فخرجا من باب البريد، فما أحس الشيخ إلا وهو بباب شبيكة، فشربا قهوة، ثم دخلا الحرم، وقد أذن للصبح، فصليا، وطافا، واختفى عنه المجذوب، ثم ظهر له بعد طلبه إياه، فقال له: يا شهاب الدين! هل تعود إلى جمع ثيابك عني؟
قال: لا.
قال: فامض بنا إلى دمشق، فخرجا من مكة، فما أحس إلا وهو بدمشق.
* تنبِيْهٌ:
لم يأت بعد نوح أطغى منهم، ولا أظلم من الأمم لقوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (٥٠) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم: ٥٠ - ٥٢].
وحكمة ذلك أنهم كانوا أول الأمم بدأوا بالظلم والطُّغيان.