وأراد الغلام أن يُعَرِّف أبا الحسين بأنه أظهر له الإنكار والنصيحة وهو يريد مغازلته ومداعبته وذلك عين خائنة الأعين، وكأن الغلام صاحب كشف وإشراف على حال أبي الحسين، ولذلك اعترف أبو الحسين بحقيقة ما وقع له معه، وأراد بهذه الحكاية الإخبار عن مقام الغلام والشهادة له والإشارة إلى من حاله التزهد والانقطاع إلى الله تعالى لا ينبغي التعرض لمثل ذلك ولا الاسترسال مع هوى نفسه، فربما يكشف حاله ويفضح من حيث لا يحتسب.
ومن هنا قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِيْ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُوْنَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ"؛ لأن مقام الأنبياء منزه عن التنزل إلى الرخص بخائنة الأعين، والتسفل إلى حضيض متابعة هوى النفس ولو فيما يتسامح فيه في حق غيرهم، وكذلك من كان من أهل وراثة الأنبياء السالك على محجة الأصفياء والأولياء ينبغي له التصاون عن ذلك وأمثاله، فافهم.
[٦١ - ومنها: الحب في الله تعالى، والبغض في الله، والاجتماع على الله، والهجرة في الله سبحانه وتعالى.]
روى الإمام أحمد في "الزهد" عن محمد بن النضر الحارثي قال: أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران عليه السلام: كن يقظاناً مُرتاداً لنفسك أخداناً، فكل خَدَن لا يواتيك على مسرتي فهو لك عدو وهو يقسِّي قلبك (١).