والكفران أشد أسباب زوال النعم، وهو بلاء سائر الأمم الهالكة كما قال الله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨)} [القصص: ٥٨].
قلت: وفي الآية دليل على أن القوم وأهل القرية إذا بطروا المعيشة تهدَّموا وانفكَّ أمرهم، فلا يعودون إلى ما كانوا عليه، وقلما خربت قرية من القرى ورحل أهلها بسبب البطر فعادت إلى ما كانت عليه من العمارة - وإن رجعوا إليها - وهذا أمر مشاهد.
* تنبِيْهٌ:
في قول صالح عليه السلام: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (١٤٦)} [الشعراء: ١٤٦] إشارةٌ إلى أن الموت لا يترك أحداً؛ أي: أتتركون أنتم في الدنيا ولم يترك فيها قبلكم أحد، وهذا مما لا يكون.
وقد كان بمكة شاب له أبوان مقعدان يقوم عليهما، ويحملهما إلى المسجد الحرام، فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَتْرُكُ الْمَوْتُ أَحَدًا لأَحَدٍ؛ لَوْ تَرَكَ أَحَداً لأَحَدٍ لترَكَ ابْنَ الْمُقْعَدَيْنِ". رواه البيهقي في "سننه" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (١).
(١) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٦٦)، وابن عدي في "الكامل" (٤/ ١٧٨) ثم قال: وهذه الأحاديث التي أمليتها لعبد الله بن جعفر عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر، كلها غير محفوظات، لا يحدث بها عن ابن دينار غير عبد الله بن جعفر.