قال: فتفكر العابد فيما قال له، فقال: صدق الشيخ، لست بنبي فيلزمني قطع هذه الشجرة، ولا أمرني الله تعالى أن أقطعها فأكون قد عصيت بتركها، وماذا يضر الموحِّدين من عبادتها، وهذا الذي ذكره أكثر منفعة.
قال: فعاهده على الوفاء بذلك، فحلف له، ورجع العابد إلى متعبده فبات، فلما أصبح رأى دينارين عند رأسه، وكذلك رأى في الغد، ثم أصبح في اليوم الثالث وما بعده ولم ير عند رأسه، فغضب، فأخذ الفأس على عاتقه وقصد الشجرة، فاستقبله إبليس في صورة الشيخ، فقال له: إلى أين؟
قال: أقطع تلك الشجرة.
قال: ما أنت بقادر على ذلك.
فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة، فقال إبليس: هيهات! فأخذه وصرعه، فإذا هو كالعصفور بين رجليه، وقعد إبليس على صدره، وقال: لتنتهين عن قطع هذه الشجرة أو لأذبحنك، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به، فقال: يا هذا! غلبتني فخلِّ عني، وأخبرني بأمرك.
قال: إنك غلبتني أول مرة لأنك غضبت لله فلم أقدر عليك، وهذه المرة غضبت لنفسك فصرعتك (١).
١٨٧ - قلت: وفي هذا الأمر إشارة إلى أن من أعمال الشيطان الرجيم: الرشوة على منع الحق، وهي تُعْوِرُ عينَ الحكيم، وتطمس