للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قلنا: الرب القائم بمصالح العباد، فمن مصالحهم أخذ حق المظلوم منهم من الظالم، فهو يأخذ حق المقتول من القاتل، والمغصوب منه من الغاصب، والمأخوذ من عرضه من الآخذ، فهو حري بأن يُخاف ويُحذر من هذه الحيثية أيضًا.

وفي قوله: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ٢٨] إشارة إلى موعظة نفسه -وإن أراد موعظة أخيه- فإن العارف إذا ذكر غيره ذكر نفسه أيضًا، وإلا لم يكن عارفًا حكيمًا.

ومن هذا القبيل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الصيام: "وإنِ امْرُؤ شَاتَمَهُ أَوْ خَاصَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ" (١).

واعلم أنَّ في دعوى الخوف والخشية خطرًا عظيمًا لأنها تحتاج إلى أن يكون صاحبها متلبسًا بأعمال الخائفين، وإلا كان كاذبًا.

ومن هنا قال بعض السلف: ما عَرضت نفسي على الكتاب والسنة إلا خشيت أن كون مكذبًا (٢).

وقال بعضهم: إذا قيل لك: هل تخاف الله؟ فأسكت؛ فإنك إن قلت: لا، كان كفراً، وإن قلت: نعم، فإنك لا تعمل أعمال الخائفين، فيكون كذباً (٣).


(١) رواه البخاري (١٧٩٥)، ومسلم (١١٥١) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) تقدم تخريجه من قول إبراهيم التيمي.
(٣) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٨/ ٤٢٣) من قول الفضيل بن عياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>