ومعناه: إنَّ الله تعالى قد يُخلِّق بعض أعدائه ببعض أخلاق أوليائه عطفًا منه على أوليائه؛ فإنهم لا يستغنون عن مخالطة الناس، فإذا تَخَلَّقَ من يخالطونه بالرحمة، أو بالمودة، أو بالحياء، أو غيرها من الأخلاق الجميلة عاملهم بتلك الأخلاق دون أضدادها، فيكون رفقًا بهم؛ إذ لو عاملهم من يخالطهم بأضداد تلك الأخلاق ساءهم ذلك، وشق عليهم، فتلك الأخلاق الجميلة لا يعود نفعها على المتخَلِّقِ بها، بل على من يخالطه المُتَخَلِّقُ بها من أولياء الله تعالى.
ومن هذا القبيل رفق أبي طالب بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومودته له، وعطفه عليه.
ويعلم من هذا: أنَّ محبة الكافر للمؤمن، ومودته له، لا تضر المؤمن؛ لأنها من باب التسخير للمؤمن الولي، كما ألقيت محبة موسى عليه السلام في قلب فرعون حين كان موسى عليه السلام صغيرًا.
قال الله تعالى:{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}[طه: ٣٩].
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان كل من رآه ألقيت عليه منه محبة. رواه ابن أبي حاتم، وغيره.
وإنما يضر العبد أن تنفر عنه قلوب المؤمنين، وتمقته.
قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: ليحذر امرؤ أن تمقته قلوب المؤمنين من حيث لا يعلم. رواه الإِمام أحمد في "الزهد"(١).