وفي نفس الأمر لا يحس بهذه الحياة في دار الدنيا إلا أولو الألباب، وهم الراسخون في العلم؛ لأنهم الذين نفخت فيهم روح الحياة في الدنيا.
ولقد قال الله تعالى فيهم:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[آل عمران: ٧]، وهم الراسخون في العلم بأعيانهم، إلا أنه ذكرهم بصفة أخرى ثناء عليهم، وتفخيماً لأمرهم، فقال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: ٢٩]؛ فيه إشارة إلى أن المتدبرين للقرآن كثيرون، وإنما يتذكر منهم مما تدبره أولو الألباب، وأصحاب العقول النافعة ذويها، المخلصة الخالصة لباريها.
وقال تعالى:{هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ}[إبراهيم: ٥٢]؛ أي: كفاية لهم في الموعظة والبيان، {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[إبراهيم: ٥٢].
في الآية إشارة إلى الحكمة التي يتميز بها أهل العلم عن غيرهم، وهي أن أهل العلم أهل تذكر وتفطن، وأهل الجهل أهل غفلة ولهو، فإذا كان ذو العلم يغلب عليه ما يغلب على أهل الجهل لحق بهم، وكان أسوأ حالًا منهم.