للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه المعصية لا تناقض محبة العبد لله تعالى، ولا تقعد بمحب الله ورسوله وأنبيائه وصالحي خلقه عن اللحاق بهم في جوار الله تعالى وداره.

وعلى ذلك ما روي في الحديث الصحيح: أن نعيمان رضي الله

تعالى عنه كان يؤتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شارباً، فأتي به مرة، فحدَّه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وضربه بالنِّعال، فلعنه رجل، وقال: ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَلْعَنْهُ"، وفي رواية: "لا تَسُبُّوْا نُعيْمانَ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ" (١).

فأثبت له النبي - صلى الله عليه وسلم - محبة الله ورسوله مع هذه المعصية؛ لأنها كانت عن خطأ وزلة، لا عن قصد المباينة والمخالفة؛ فإنها لو كانت كذلك لكانت مناقضة للمحبة؛ فإن هذه المعصية لا تجامع المحبة


(١) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (١٧٨٠٢)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٣/ ٤٩٣) عن زيد بن أسلم.
وأصل الحديث عند البخاري (٢١٩١) عن عقبة بن الحارث، وفي البخاري أيضاً (٦٣٩٨) نحو هذا اللفظ لكن عن عمر - رضي الله عنه - وفيه: أن عبد الله الملقب بحمار جلد لشربه الخمر.
وقد ظن بعضهم أن الحادثة متحدة، قال الحافظ في "الفتح" (١٢/ ٧٧): قصة عبد الله كانت في خيبر، فهي سابقة على قصة النعيمان.
وقال في "الإصابة في تمييز الصحابة" (٦/ ٤٦٤) - بعد أن بين أن اللاعن هو عمر -: قاله لعبد الله الذي كان يلقب حماراً، فهو يقوي قول من زعم أنه ابن النعيمان، فيكون ذلك وقع للنعيمان وابنه، ومن يشابه أباه فما ظلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>