وقد مثله النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثال منطبق على حاله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الَّذِي يَجْلِسُ يَسْمَعُ الْحِكْمَةَ وَلا يُحَدِّثُ عَن صَاحِبِهِ إِلاَّ بِشَرِّ مَا يَسْمَعُ، كَمَثَلِ صَاحِبِ رَجُلٍ أتى رَاعِيًا فَقَالَ: يَا رَاعِي! اُجْزُر لِي شَاةً، فَقَالَ: اذهبْ فَخُذْ بِأُذُنِ خَيْرِهَا شَاةً، فَذهبَ فَأَخَذَ بِأُذُنِ كَلبِ الغَنَمِ"، رواه الإِمام أحمد، وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (١).
وهذا المثال - وإن كان ضربه لمن يسمع فيحدث شر ما سمع - فهو بمن يعمل بشر ما سمع، أو بضد ما سمع من الخير أولى.
ثم قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[الزمر: ٢١]؛ أي: إن في ذلك تذكيراً لأولي الألباب دون غيرهم، بأنه لا بد لذلك من صانع حكيم دبره، وسوَّاه، وأوجده، وأحكمه، ثم أفناه، وبأن هذا مثل الحياة الدنيا فلا يغتر به، وبأن هذا مثل ابن آدم يبدو به والزرع في ريعانه وخضرته، ثم يكون آخره إلى الموت والفناء، وهذا لا يهتدي إليه إلا أولو الألباب، وهم أصحاب الصدور المشروحة، ولذلك عقبه بقوله تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}[الزمر: ٢٢]؛ أي: كغيره.
(١) رواه الإِمام أحمد في "المسند" (٢/ ٣٥٣)، وابن ماجه (٤١٧٢). وإسناده ضعيف.