للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: وأكثر الناس في العافية فجار طغاة بغاة.

قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: ٦، ٧].

وقال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: ٢٤].

ولكن فجورهم وطغيانهم ونعتهم مستور بالعافية عن أنفسهم يحسبون أنهم أبرار، وأنَّ العافية جزاؤهم، وبعض الناس يحسبون أنفسهم إنما خولوا وعوفوا لبرهم، فإذا جاء البلاء كفروا نعمة الله تعالى، وسخطوا فضلهُ، ووقعوا فيما يقعون فيه، فانكشف أمرهم، وتبين زيفهم.

ومن أفراد معنى العافية: الغنى؛ فإن اللئيم قد يسترهُ ماله، بل جرت العادة أن ذا المال مكرم عند كثير الناس وإن لم ينالوا من ماله، فإذا افتقر انكشفت عيوبه لهم، ولقد أحسنَ القائل:

رُبَّ قَوْمٍ فِيْ خَلائِقِهِمْ ... عرر قد صُيِّرُوا غُرُرَا

سَتَرَ الْمالُ الْقَبِيْحَ لَهُمْ ... سَتَرَىْ إِنْ زالَ ما سَتَرَا

فاعلم أنَّ أكثر الناس فجار في العافية والبلاء، وفي الرخاء والشدة إلا من [هداه] (١) الله بنور التوفيق، وهم الأبرار، وهذا في كتاب الله تعالى في قوله: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ١ - ٣]. أي: تواصوا


(١) غير واضح في "م".

<<  <  ج: ص:  >  >>