القضاء، بل من حيث نسبةُ نفسهِ إلى التقصير واعترافُه بالعجز، وفي ذلك تمام الاعتراف بالعبودية، وهو نافع له في تلك الدار في ترقية المقام وبسط الرضا، وتمهيد الفتاوى، وإن لم تكن تلك دار تكليف؛ لأن العبودية باقية في تلك الدار، وإنما المرفوع عنهم فيها التكليف بالعبادة.
وأمَّا ندامة المسيء فإنها زيادة في نكَاله؛ إذ لا تنفعه الندامة، بخلاف المحسن الأول إذا ندم أولًا ازداد فإنها تنفعه وترفعه كما علمت، وهذا يندم فتثير الندامة منه الحسرات والزفرات، فلا ينتفع منها بشيء إلا إن كان له إحسان وإيمان فإن إحسانه يكفر إساءته مع الإيمان, أما مع غير الإيمان فلا الندامة تنفعهم، ولا الاعتراف ينقذهم، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: ١٠، ١١]، فندامتهم زيادة في النَّكال، بخلاف ندامة الأبرار على ترك الزيادة، فإنها تؤول بهم إلى الازدياد من الكرامة، وفرق بين الندامتين.
وتأمل قوله تعالى:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس: ٣٧]: جمع بينهم في أن كل واحد منهم في شأن مخصوص به لا يتفرغ منه لغيره، ثم فرق بين حالي البر والفاجر، فقال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس: ٣٨ - ٤٢].