للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن العالم أعرفُ بطريقِ الورَع، بل لا يكونُ الورعُ بغير العلم، وإنما البَليَّةُ والمُصيبة أنْ يكونَ عالم ولا ورع عندهُ.

واعلمْ أنَّ العبادةَ من العالم هي العبادة المعتدُّ بها، ولذلك ذمَّ الله تعالى في كتابهِ من يعبد الله على حرف؛ أي: على جهل.

وقيل في تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]: ليعرفون؛ أي: فيعبدون على معرفة وعلم (١).

وقال الجنيد رحمه الله تعالى: العبادة على العارفين أحسن من التيجان على رأس الملوك. رواه ابن جهضم (٢).

ثم من تمامِ حُسنِ النيةِ أن لا يقصد العلم ليماري به السفهاء، ويباهي به العلماء، ويتوصل به إلى الأخذ بالرُّخص والحيل، ويتأكل به الدنيا وأموال الناس، ويتجَوَّه به على الناس، ويتقوى به على الضعفاء، ويزدري به الناس؛ فإنَّ ذلك كلهُ وَبَالٌ على صاحِبِهِ.

وإذا لم يفسح في أجلِ العبد حتى يتعلم ما ذكرناه من الأحكام ويوقعها على أسلوبها كفاهُ أن يموتَ على نيتها وإرادتها؛ لأنَّ الناس يحشرون على نياتهم.

وقد تقدم في الحديث: أنَّ طالب العلم إذا أتاهُ الموتُ وهو على حالة الطلب مات وهو شهيد.


(١) انظر: "تفسير ابن كثير" (٤/ ٢٣٩).
(٢) ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (١٠/ ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>