ومن هنا اتفق للإمام أحمد - رضي الله عنه - وهو صديق: ما رواه أبو الفرج في "صفة الصفوة"، وغيره عن ابنه عبد الله قال: لما حضرت أبي الوفاة جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لَحييه، فجعل يعرق ثم يفيق، ثم يفتح عينيه، ويقول بيده هكذا: لا بعد، لا بعد، يفعل هذا مرة، وثانية، فلما كانت الثالثة قلت له: يا أبه! أي شيء هذا قد لهجت به في هذا الوقت، تعرق حتى نقول: قد قضيت، ثم تعود فتقول: لا بعد، لا بعد؟ فقال لي: يا بني! ما تدري؟ قلت: لا، فقال: إبليس -لعنه الله- قائم حذائي، عاض على أنامله، يقول لي: يا أحمد! فُتَّنِيْ فأقول: لا بعد حتى أموت (١).
واعلم أنَّ خوف الصديقين من الشيطان ليس منه حقيقة، وإنما خوفهم من أن يسلطه الله عليهم، فالخوف إنما هو من الله عز وجل؛ فإنه يقلب القلوب كيف يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت، فالصديق -وإن كان واثقاً بالله، موقناً به- فإنه يخافه.
ولقد أحسن الإِمام عبد الله بن المبارك - رضي الله عنه - فيما رواه أبو نعيم عن أبي أمية الأسود قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شر منهم.
ثم أنشأ عبد الله يقول:[من مجزوء الكامل المرفل]
(١) رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة" (٢/ ٣٥٧)، وكذا أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٩/ ١٨٣).