للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظن به ويرجو الخير منه، فإنه إلى الشر أقرب منه إلى الخيرة فإن التمر والعناب لا يجتنيان من العلقم والصاب (١)، وإن اعتبرت أكثر أهل هذا الزمان وجدت الشر غالباً عليهم، والسبب ذلك موت الأخيار، وانقطاع الخلف منهم.

روى ابن أبي شيبة عن الحسن رحمه الله تعالى قال: من أشراط الساعة، أو من اقتراب الساعة أن يأتي الموت خياركم، فيلقطهم كما يلقط أحدكم أطايب التمر من الطبق (٢).

وحاصل هذا التشبيه: أن الملتقط من الطبق يلتقط خير ما فيه وأجوده، ثم خير ما بقي، ثم خير ما بقي حتى يبقى شره وأرذله، وكذلك الموت يلتقط خير الناس، ثم خير من بقي منهم وإن كان يأخذ غيرهم، فإنه ولو أخذ من الأشرار ألوفاً وممن لا غناء لهم ألوفاً لا يكاد الناس يحسُّون بهم، ولا يفتقدونهم بخلاف الأخيار إذا مات واحدٌ منهم كأنه لم يمت غيره حتى يرى الناس أنه التقط خير الموجودين، ثم خير من بعدهم، حتى قيل: [من المتقارب]

والْمَوْتُ نُقادُ عَلَىْ كَفِّهِ ... جَواهِرَ يَخْتارُ مِنْها الْجِيادَ

وقد ألمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا المعنى وبينه بمثالٍ عظيم منطبق وصفه على وصفه، فمثل اختيار الموت خيار الناس بالمغربل، يختار خيار الحَب،


(١) الصاب: شجر، وقيل: عصارة شجر مرّ.
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٥٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>