للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحذر مما يحذر.

وهذا في زماننا هذا ضالة لا توجد، ويكفيك أن ابن عمر - رضي الله عنه - قد امتنع عن تولية القضاء، والعازم عليه فيه عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، والمقضي بينهم الصدر الأول والسلف الصالح لثقل أعباء القضاء كما سيأتي إن شاء الله تعالى في التشبه بأهل الكتاب.

وقد روى أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، والحاكم وصححه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَنْ وُلِّيَ القَضَاءَ أَوْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبحَ بِغَيْرِ سِكِّيْنٍ" (١).

قال المنذري: ومعنى قوله: "فقد ذبح بغير سكين": أن الذبح بالسكين يحصل به راحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها، فإذا ذُبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها.

وقيل: إن الذبح لما كان في ظاهر العُرف وغالب العادة بالسكين دلَّ عدول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ظاهر العُرف والعادة إلى غير ذلك ليعلم أنَّ مراده - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه؛ ذكره الخطابي (٢).

وقلت: وظهر لي في قوله - صلى الله عليه وسلم -. "مَنْ وُلِّي القَضَاءَ فَقَدْ ذُبحَ بِغَيْرِ سِكِّيْنٍ" أنَّه مذبوح بالألسنة وإن عدل، وجرح اللسان كجرح اليد؛ فإنَّ


(١) رواه أبو داود (٣٥٧١)، والترمذي (١٣٢٥) وحسنه، وابن ماجه (٢٣٠٨)، والحاكم في "المستدرك" (٧٠١٨).
(٢) انظر: "الترغيب والترهيب" (٣/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>