للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الثاني: أنَّ ما ذكر نقص في الخلقة، والأولى حمل حال الأنبياء على الكمال، فمعنى الحصور أنه كان معصوماً من الذنوب؛ أي: لا يأتيها كأنه حصر عنها.

وقيل: بل كان مانعاً نفسه من الشهوات، وهذا اختاره القاضي عياض رحمه الله، ونسبه إلى حذَّاق المفسرين ونقاد العلماء (١).

قلت: لكن الأول هو المأثور عن ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما، إلا أن هذا ينشرح له الصدر أكثر.

وعليه: فالمعنى أنَّ يحيى عليه السلام إنما كان تاركاً للنكاح زهداً لا عجزاً ولا ضعفاً، وكذلك كان حال عيسى عليه السلام كما تقدم أنه قيل له: ألا تتزوج؟ قال: أتزوج امرأة تموت؟ (٢).

فعيسى ويحيى عليهما السلام أخذا بالحزم، فاحتاطا بترك النكاح، وغيرهما أخذ بالقوة، وكلا الفريقين كان أمره منوطاً بالوحي الإلهي مؤيداً بالأمر الربوبي.

وقد كان من تزوج من الأنبياء عليهم السلام قدوة لمن تزوج من صالحي الأمم، ومن لم يتزوج منهم قدوة لمن لم يتزوج من صالحي الأمم، وكل عمل بمقتضى حاله فلا اعتراض.

قال حجة الإسلام رحمه الله تعالى: ومهما كانت الأحوال


(١) انظر: "الشفا" للقاضي عياض (١/ ٧٦).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>