والمراد بالذنب الذي اعترفوا به: أنهم لم يستعملوا عقولهم فيما خلقت له من الطاعة التي هي سبب النجاة من النار، فالعاقل اللبيب هو الطائع المجيب، وكلما بالغ في الطاعة والتخلق بالأخلاق المرضية كان أتم عقلاً، وأكمل لباً، فيكون أكثر فلاحاً، وأكمل فوزاً ونجاحا من حيث إنه تجنب أعمال أهل النار بعقله، وأقبل على أعمال أهل الجنة، ولم تغرَّه الحياة الدنيا، ومن ثَمَّ خص أهل العقول بالخطاب في قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: ١٠٠].
والتقوى إنما تتم بالطاعة، واجتناب المعصية، وقال الله تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران: ١٨٥].
وفي هذه الآية إشارة إلى أن الفوز الحقيقي والفلاح المعتد به إنما هو في الدار الآخرة دون الدنيا - وإن زعم أهل الدنيا أن ما فيها من رخاءٍ وعافيةِ ويسرٍ فوزٌ ونعيمٌ - فإنه لا حقيقة له لزواله، بخلاف نعيم الجنة لبقائه.
ومن ثَمَّ قال الله تعالى:{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر: ٢٠]؛ أي: وأصحاب النار هم الهالكون، وإن نالوا من الدنيا ما نالوا.
ولذلك نودي في الأذان، والإقامة:(حي على الفلاح)، فأطلق الفلاح على الصلاة لأنها عماد الدين، وأم الأعمال الصالحة، ومن حافظ عليها كان على غيرها أشد محافظة، ومن ضيعها كان لغيرها أكثر إضاعة.