للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام فدخل بينهما، ثم دفعه بيده حتى وقع بأقصى الهند، فذكر قوله تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: ٢٠]، فقال: أنا أكفيكه.

فانطلق، فتزيا بزي الرهبان، وحلق وسط رأسه حتى أتى صومعة برصيصا، فناداه، فلم يجبه، وكان لا ينفتل من صلاته إلا في كل عشرة أيام يوماً، ولا يفطر إلا في كل عشرة أيام، وكان يواصل العشرة أيام، والعشرين، والأكثر، فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته، فلما انفتل برصيصا من صلاته رأى الأبيض قائماً يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان، فندم حيث لم يجبه، فقال: ما حاجتك؟ قال: أن أكون معك فأتأدب بآدابك، وأقتبس من علمك، ونجتمع على العبادة، فقال: إني في شغل عنك، ثم أقبل على صلاته، وأقبل الأبيض كذلك على الصلاة، فلمَّا رأى برصيصا شدة اجتهاده قال: ما حاجتك؟ قال: أن أرتفع إليك، فأذن له، فأقام الأبيض معه حولاً لا يفطر إلا في كل أربعين يوماً، وربما مد إلى الثمانين، فلمَّا رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه، ثم قال الأبيض: عندي دعوات يشفي الله بها السقيم والمبتلى والمجنون، فعلمه إياها، ثم جاء إبليس فقال: قد - والله - أهلكت الرجل.

ثم تعرض لرجل فخنقه، ثم قال لأهله - وقد تصور في صورة الآدميين -: إن بصاحبكم جنوناً أفاطبه؟ قالوا: نعم، قال: لا أقدر على جنيته، ولكن اذهبوا إلى برصيصا؛ فإن عنده اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أُعطي، وإذا دعى به أجاب، فجاؤوه، فدعا بتلك

<<  <  ج: ص:  >  >>