من نعيم الآخرة مع ما يلحقه من الإهانة والعذاب والخلود فيه، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[النساء: ١٤]، والمعصية المشار إليها في هذه الآية شاملة للكفر والشرك، كما أنَّ الطاعة في قوله تعالى في الآية السَّابقة:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ}[النساء: ١٣] شاملة للإيمان والتوحيد.
فحقيقة الفلاح والفوز إنَّما هو في الطاعة والإيمان، والفوات والخيبة في المعصية والكفر، وإنَّما يظهر ذلك في الدَّار الآخرة، كما قال الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: ٨، ٩].
وإنَّما قال:{خَسِرُوا}؛ لأنَّه شبَّه أعمال العبد بالمتاجر؛ فمن ثقلت موازينه بالإيمان والعمل الصالح ربح في تجارته وأفلح، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: ٢٩، ٣٠]، ومن خفَّت موازينه - إذ لا إيمان له بالكليَّة، أو لا عمل صالح، أو له معاص لا كفارة لها - فقد خسرت تجارته، وخاب مسعاه، كما قال الله تعالى:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}[يونس: ٤٥]، وقال تعالى: