ومضارعتهم، فيكون ذلك باعثاً للعبد على طلب مثلِ ما لهم، وازدراء ما أنعم الله عليه مما دون ذلك، فيركب في طلبه كل صعب وذَلُول، وربما لا يتوصل إليه إلا بالأسفار المُشِقة والأتعاب الشديدة؛ فإن المرء إذا هوي شيئًا طلبه ولو بالصين، وركب فيه المَهَامِه والقِفار ولو سنين كما قيل:[من السريع]
وَكَمْ قَطَعْتُ اللَّيْلَ في مَهْمَهٍ ... لا أَسَدأ أَخْشَى وَلا ذِئْبا
وقد لا يتيسر مطلوبه من طريق مباح، فيرتكب الشبهات، ويقارف المحرمات، ثم إذا أصاب بغيته ولقى أمنيته فقد لا يحسن التصرف فيما أوتيه، وقد يؤدي به حصوله له إلى البطر والأشَر كما صار لقوم نوح، وإذا لم يتيسر له ما أراده، وأعمَلَ في طلبه اجتهاده، فإما أن يغلب جانبه الدين فيحتاج إلى تجرع الصبر، ومدافعة الغم والحصر، وإما أن يفتن في دينه، ويسخط فضل من جاد بإيجاده وتكوينه.
واعتزال هؤلاء متعين على كل من خاف على نفسه من هذه الغوائل، ورغب في التخلص من هذه الرذائل.
وقد قيل في المثل: عين لا تنظرُ قلبٌ لا يحزنُ.
وروى أبو نعيم عن عون بن عبد الله رحمه الله تعالى قال: كنت أجالس الأغنياء، وكنت من أكثر الناس همًا ومن أكثرهم غماً، أرى