للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: ٦٧ - ٦٨].

لم يقل أنتم السفهاء، أو ليست السفاهة إلا فيكم لما في هذا الجواب من الإيحاش في الخطاب المتسبب عن الضجر، وقلة الصبر المخالف للنصيحة.

والعاقل لا ينبغي أن يقابل سفه السفيه وجهل الجاهل بمثله، بل يغضي ويحلم، كما قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩].

هذا ما دام في مقام النصيحة والدَّعوة، فإذا كان في مقام الولاية والعدل بين المتحاكمين إليه لم يكن منه إلا تأديب الظَّالم ونصر المظلوم من غير زيادة على استيفاء الحق.

وليس من هذا قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٣] في جواب قولهم: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة: ١٣] لأن هذا إجابة من الله تعالى عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ورد عنه ونصرة له، فاللائق أن يكون جواباً رادعاً لهم، زاجراً مفصحاً عن جهلهم بالمبالغة فيه؛ فإن الجاهل بجهله الجازم بخلاف ما هو الواقع أعظم ضلالة وأتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله؛ فإن هذا ربما يعذر وينتفع بما ينذر.

وبالجملة فليس بعد ظلمة الجهل ظلمة، إلا أن الجاهل بجهله في ظلمات بعضها فوق بعض بخلاف الحاس به؛ فإنه يلتمس النور،

<<  <  ج: ص:  >  >>