للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان هذا في أيام مالك بن دينار وزمانه، فما ظنك بزمانك وإخوانه؟

والعاقل من لا يغتر بترهات الزمان، ولا يثق من زمانه بعهد ولا أمان، بل يعلم أن الموت ولو بعد حين آت، وأنه كادح إلى ربه كدحاً فملاقيه، ويعتبر بأحوال الأمم السالفة كيف لم يَدفع الموت عنهم قواهم، ولا أبعد الحِمام عنهم ثراؤهم وغناهم، وما انتفعوا بطول الأعمار ولا بسَعة الديار، ملكوا البلاد بَرهة، وفتكوا بنواحيها، ثم هلكوا فكأنْ لم يغنَوا فيها.

وقد روى الدينوري في "المجالسة" عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: أنه كان يستحسن شعر عدي بن زيد حيث يقول: [من الخفيف]

أَيْنَ أَهْلُ الدِّيارِ مِن قَوْمِ نُوحٍ ... ثُمَّ عادٌ مِنْ بَعْدِهِم وَثَمُودُ

بَيْنَما هُم عَلى الأَسِرَّةِ وَالأَنْـ ... ـماطِ أَفْضَتْ إِلى التُّرابِ الْخُدُودُ

ثُمَّ لَمْ يَنْقَضِ الْحَدِيْثُ وَلَكِنْ ... بَعْدَ ذا الْوَعْدُ كُلُّهُ وَالْوَعِيْدُ

وَأَطِبَّاءُ بَعْدَهَمُ لَحِقُوهُمْ ... ضَلَّ عَنْهُمْ سُعُوْطهُمُ واللّدُودُ

وَصَحِيْحٌ أَضَحَى يَعُوْدُ مَرِيضًا ... وَهْوَ أَدْنىَ لِلْمَوْتِ مِمَّنْ يَعُوْدٌ (١)

وفي معنى البيتين الأخيرين ما رواه أبو نعيم وغيره: أن الربيع بن خثيم رحمه الله تعالى أنه أصابه فالج، فقيل له: لو تداويت؟


(١) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (ص: ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>