للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٢٨) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩)} [العنكبوت: ٢٨، ٢٩]؟

فقد وقع التصريح في كتاب الله تعالى بذم الفاعلية، ولم يقع التصريح بذم المفعولية مع أنها أفحش لِوجوه:

أحدها: أن ذم المفعولية مفهوم بالأولوية؛ فإنه إذا ذم ذلك فاعلية والذكر محل الفاعلية من حيث عدول الفاعل عن المأتي المأذون له فيه فكيف بالمفعولية، والذكر ليس بمحل لها بالكلية؟

الثاني: أن الوجه فيه أنهم إنما كانوا يفعلونه بالغرباء لما سبق عن الحَسَن، ثم فشا فيهم حتى دعتهم الشهوة إلى فعل بعضهم ببعض.

الثالث: أن المفعولية - وإن كانت أقبح - إلا أن الفاعلية أسبق، وهي داعية للمفعولية، فإن اعتياد الذَّكَر أن يفعل به الفاحشة يؤدي به إلى مرض الأُبْنة، فيصير طالباً للمفعولية بعد ما كان مطلوبًا، أو مكرهًا عليها، فكان الفاعل عليه إثم فعله، وإثم ما أدى إليه فعله من انتهاء المفعول فيه إلى طلب المفعولية وانقلاب حاله.

الرابع: أن الفاعلية ربما عدها الجاهل محمودة منه، بل ربما أدى به الجهل إلى التمدح بها والإنكار على من ينكر عليه؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦)} [النمل: ٥٦]، {وَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>