لهم، ومناقضة أوامرهم، والمبادرة إلى تكذيبهم، والمداومة منهم على ذلك كله، تحقق جرأتهم على الله، وإصرارهم على معاصيه، وسبب ذلك كله الجهل؛ فإن الجرأة إنما تكون على من يملك المجترئ منه ضرر أو أذى يوصله إليه، وهذا محال؛ فإن الله تعالى ذو البطش الشديد، والفعَّال لما يريد، وهو من وراء خلقهم كلهم محيط بكبيرهم وصغيرهم، منزَّه عن صفات الحَدَث، ووصول الضرر، متعال عن كل ضرر وسوء وأذى، وهو الضار النافع، المعطي المانع، المنعم المنتقم، فالمجترئ عليه لم يدع من الجهل شيئاً.
وقد روى الدينوري في "المجالسة" عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم: أنه سمع رجلاً يقول: ما أجرأَ فلانًا على الله!
فقال القاسم: إن ابن آدم أهون وأضعف من أن يكون جريئاً على الله تعالى، ولكن ما أقلَّ معرفتَه بالله (١)!
وكذلك الإصرار أصله الجهل بالله، والجهل بعذابه وانتقامه مع استحسان ما عليه المُصِرُّ من الضلال، وإعجابه بما له من الرأي الخالي عن الحكمة؛ كَشَفَ اللهُ تعالى عنَا غَمْرةَ الجهل، ورفع عنا سَكْرة الهوى.
(١) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (ص: ١٦٠).