(٢) هذا تكلف زائد من المصنف - رحمه الله - في تأويل كلام ابن عربي الذي لا يختلف فيه اثنان، أو أن المصنف قد وقف على كلام له في موضع دون آخر، فمن كلامه في "الفتوحات المكية" (٢/ ٢٧٣): وأما قوله: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} فما فيه نص أنه يدخلها معهم، بل قال الله: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ}، ولم يقل: أدخلوا فرعون وآله، ورحمة الله أوسع من حيث أن لا يقبل إيمان المضطر، وأي اضطرار أعظم من اضطرار فرعون في حال الغرق، والله يقول: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}، فقرن للمضطر إذا دعاه: الإجابة وكشف السوء عنه، وهذا - أي: فرعون - آمن لله خالصاً، وما دعاه في البقاء في الحياة الدنيا خوفاً من العوارض، أو يحال بينه وبين هذا الإخلاص الذي جاءه في هذا الحال، فرجح جانب لقاء الله على البقاء بالتلفظ بالإيمان، وجعل ذلك الغرق نكال الآخرة والأولى، فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج، وقبضه على أحسن صفة، هذا ما يعطي ظاهر اللفظ، وهذا معنى قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}؛ يعني أخذه نكال الآخرة والأولى، وقدم ذكر الآخرة وأخر الأولى ليعلم أن ذلك العذاب - أعني: عذاب الغرق - هو نكال الآخرة، فلذلك قدمها في الذكر على الأولى، وهذا هو الفضل العظيم، انتهى بحروفه. قلت: وفي هذا المقال ما يقضي لسانُ الشرع ولسان العربية ببطلانه، وقد صنف الأئمة والعلماء الثقات في الرد على كلامه هذا بما يطول إيراده هنا، =