وذلك أن موسى عليه السلام لمَّا اختار قومه سبعين رجلاً، وذهب بهم فأسمعهم كلام الله تعالى، فلما سمعوا الكلام قالوا:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}[البقرة: ٥٥]، فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقتهم، ثم بعثهم الله تعالى بدعوة موسى عليه السلام، فإن قولهم:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}[البقرة: ٥٥] بعد سماع كلام الله تعالى شك منهم في الله تعالى، أو في أنه المتكلم، أو في إمكان رؤيته.
وطلبهم لرؤيته مبني على شك وكفر.
فإن قلت: فقد سأل موسى عليه السلام الرؤية، فكيف تأوَّل ذلك؟
قلت: فرق بين الطلبين؛ فإن موسى عليه السلام طلب الرؤية شوقاً، وهم طلبوها شكاً؛ ألا ترى قوله:{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طه: ٨٤]؟
فدل طلب موسى عليه السلام للرؤية على إمكانها؛ إذ لا يطلب مستحيلاً، ولذلك علق الله تعالى الرؤية على ممكن، وهو استقرار الجبل.
وأمَّا عقوبتهم على طلبها فلا يدل على عدم الإمكان لأنهم إنما عوقبوا على الشك والسؤال عبثاً.
ومذهب أهل السنة رضي الله تعالى عنهم: أن رؤية الله سبحانه وتعالى جائزة في الدنيا والآخرة، واقعة في الآخرة لا في الدنيا إلا