للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن المتشبهين باليهود والنصارى في ذلك كثير، فربما نصحت جاهلاً في أمر وعذلته فيه، وعرَّفْتَهُ أنه معصية، أو أمرته بمعروف، وعرَّفْتَهُ أن فيه النجاح والخير، فيقول لك: قد سمعت ما تقول، ولكني لا أفعل، أو يعدك بامتثال نصيحتك وقبول وصيتك، ثم يخالف إلى ما نهيته عنه، وليس هذا من شأن أهل الدين والخير.

وروى الإمام أحمد، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما نزلت: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤] اشتد ذلك على الصحابة رضي الله تعالى عنهم [فأتوا] (١) النبي -صلى الله عليه وسلم- فجثوا على الركب، قالوا: قد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها.

فقال: "أترِيْدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَما قالَ أَهْلُ الْكِتابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنا وَعَصْينا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيْرُ".

فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها: {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة: ٢٨٥] الآية.

فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] إلى آخرها (٢).


(١) ما بين معكوفتين ليس في "أ".
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢/ ٤١٢)، ومسلم (١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>