للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ" (١).

وروى الشَّيخان عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة بن الجرَّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمع الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما صلَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف فتعرضوا له، فتبسَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآهم، ثمَّ قال: "أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ".

قالوا: أجل يا رسول الله.

فقال: "أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا، فَواللهِ ما الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيا عَلَيْكُمْ كَما بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنافَسُوهَا كَمَا تَنافَسُوها، فتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُم" (٢).

واعلم أنه لم تأت شريعة قبل شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - بمدح الفقر وذم الغنى وحبِّ الدُّنيا بمثل ما جاءت به شريعة عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام، ومن ثمَّ كانت مظهرية الزهد فيه وفي ملته أظهر منها في الملل السابقة، وكثر في ملته الترهب والتقشف، وكان حبُّ الدُّنيا عندهم قبيحًا، ومن أحبَّها بولغ في ذمه.


(١) كذا عزاه ابن الأثير في "جامع الأصول" (٤/ ٥٠٤)، والمنذري في "الترغيب والترهيب" (٤/ ٧٦)، لكن لم أقف عليه من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عند النسائي، وإنما من حديث أسامة بن زيد وقد تقدم.
(٢) رواه البخاري (٦٠٦١)، ومسلم (٢٩٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>