والحاصل أن هذه الألفاظ والضنة متقاربة المعنى، يرجع معناها إلى الإمساك على الشيء واحتباسه، وحقيقته حبُّ القلب للمضنون به، فيمسك عليه ويقبض لشدة تعلقه به، فينشأ عن ذلك انقباض اليد عن بذله كما ينشأ عن الكرم والسَّخاء، والسماحة والجود بسط اليد بالشيء وبذله.
وقد يحصل في هذه الأخلاق إفراط كما يحصل في تلك الأخلاق تفريط، وكلاهما مذموم، فلذلك قال الله تعالى:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}[الإسراء: ٢٩].
فعبر عن الإمساك المتناهي بعمل اليد، وعن السماح المتناهي ببسط اليد، ثمّ أشار كل البسط إلى أنه إنما يذم إذا تناهى كل التَّناهي بخلاف البخل؛ فإنَّه مذموم وإن قل.
ثمَّ أشار إلى مدح الاقتصاد في آية أخرى بقوله:{وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان: ٦٧].
ولقد تناهى البخل بقارون حتى خسف به إلى التناهي؛ فإنه بخل بما يجب عليه من الزكاة، وهو -أعني: البخل بالواجب هو- البخل الذي يوجب لصاحبه العذاب، على أن موسى عليه السَّلام رضي منه، كما في الأثر أن يبذل من كل ألف درهم درهمًا، ومن كل ألف دينار دينارًا، فبخل وشح (١)، والبخل شيمة اليهود كما قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ