للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه دليل على أن الاستئثار يظهر على الإنسان إذا مَلَكَ، لا يخلو منه إلا بالعصمة، قضاء قضاه الله تعالى؛ إذ معنى قوله: أنت قلت يا رب: من ملك استأثر: أنت قضيت، وحكمت، أو قلت فيما أوجبت إلي، ولذلك كان الإيثار من أعظم ما يثنى به على المتصف به كما قال تعالى في الأنصار: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩].

وليس فوق هذا ثناء في باب الجود؛ لأنَّ الإيثار في حالة الملك والقدرة ممدوح، فكيف في حال الحاجة والخصاصة؟ ومن ثمَّ قيل:

لَيْسَ الْعَطاءُ مِنَ الْفُضُولِ سَماحَةً ... حَتَّى تَجُودَ وَما لَدَيْكَ قَلِيلُ

ثمَّ الاستئثار إن كان بالمباح فلا عقوبة فيه، ومنه استئثار داود عليه السلام؛ فإن بناء بيته قبل بناء المسجد لم يكن محظورًا عليه، إذ أمره الله تعالى أن يبني له بيتًا، ولم يبين له أن لا يقدِّم عليه شيئًا، وإنما عوتب فيه لأنَّ مقام النبوة كان يقتضي المبادرة إلى بناء المسجد قبل كل شيء لا سيما وقد أمر به؛ كما فعل نبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يعرج على شيء حين نزل دار هجرته قبل بناء المسجد الشريف، وبهذا تظهر فضيلته ومزيته على داود عليه السلام.

وأما إن كان مما يجب عليه بذله ولا يباح له حبسه ولا التصرف فيه لنفسه كالزكاة والنفقات الواجبة عليه، وما كان في يده على وجه الأمانة ليؤديه للغير، فهذا مذموم منه، ممنوع عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>