للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الأعجمي كلما كان أقرب إلى أخلاق العرب كان أوفر عقلًا، وأظهر فضلًا، ولا سيما محبة التكلم بلسان العرب لأنَّ اللسان هو الفارق بين العرب والعجم.

ومن ثمَّ ورد في الحديث: "مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ".

رواه السِّلَفي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (١).

فتشبه الأعجمي بالعربي دليل عقله، وجَزالة رأيه، واستكماله الدين، بخلاف تشبه العربي بالأعجمي؛ فإنَّه دليل الجهل، والحماقة، وسخافة الرأي، وقلة الدين؛ أعني: تشبهه به في غير المشروع، ومن ثمَّ جاء النهي عن التشبه بالأعاجم.

ثمَّ إنَّ ما يؤمر به الأعجمي من التشبه بالعرب في الدين والأخلاق الكريمة إنما هو على قدر طاقته؛ إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وما لا يستطيعه من ذلك ينبغي أن ينويه ويتحراه، ويحزن على فواته؛ فإن الأعمال بالنيات، وحينئذ لا يحرم بركة ما فاته.

روى أبو عبيد القاسم -مرسلًا- عن بكر بن الأخنس رحمه الله تعالى أنَّه قال: كان يقال: إذا قرأ الأعجمي، والذي لا يقيم القرآن كَتَبه المَلَكُ كما أنزل (٢).

أي: كتب له الملك ثوابه كما لو أتى به مستقيمًا؛ فإن تلك نيته،


(١) انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (ص: ١٦٨).
(٢) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (١/ ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>